خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الحج رحلة إيمانية ، للدكتور مسعود عرابي
خطبة الجمعة القادمة 9 يوينو 2023م بعنوان : الحج رحلة إيمانية للدكتور مسعود عرابي، بتاريخ 27 ذو القعدة 1444هـ ، الموافق 9 يونيو 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 يونيو 2023م بصيغة word بعنوان : الحج رحلة إيمانية ، للدكتور مسعود عرابي
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 يونيو 2023م بصيغة pdf بعنوان : الحج رحلة إيمانية ، للدكتور مسعود عرابي
عناصر خطبة الجمعة القادمة 9 يونيو 2023م ، بعنوان : الحج رحلة إيمانية ، للدكتور مسعود عرابي.
أولًا: الحجُّ فريضةٌ محكمةٌ يحرمُ التهاونُ فيها للقادرِ عليها.
ثانيًا: المظاهرُ الإيمانيةُ لفريضةِ الحجِّ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 9 يونيو 2023م ، بعنوان : الحج رحلة إيمانية ، للدكتور مسعود عرابي ، كما يلي:
الحــجُّ رحلةٌ إيمانيةٌ
الحمدُ للهِ الذي غمرَ صفوةَ عبادهِ بلطائفِ التخصيصِ طولًا وامتنانًا، وألّفَ بينَ قلوبَهُم فأصبحُوا بنعمتهِ إخوانًا، ونزعَ الغلَّ مِن صدورِهِم فظلّوا في الدنيا أصدقاءَ وأخدانًا، وفي الآخرةِ رفقاءَ وخلانًا، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ مُحمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ، الرحمةُ المهداةُ، والنعمةُ المسداة، تقـولُ أمُّنَا عائشةُ: لَمَّا رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ طِيبَ نَفْسٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ عَـــزَّ وَجَلَّ لِي، فَقَالَ: « اللَّهُمَّ اغْفِـرْ لِعَائِشَةَ مَا تَقَــدَّمَ مِنْ ذَنْبِهَا وَمَا تَأَخَّـرَ، وَمَا أَسَــرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ ». فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ حَتَّى سَـقَطَ رَأْسُهَا فِي حِجْرِهَا مِنَ الضَّحِكِ. قَالَ: فَقَالَ: لَهَا رَسُـولُ اللَّهِ ﷺ: « أيَسُــرُّكِ دُعَائِي »؟ قَالَتْ: وَمَا بِي لَا يَسُرُّنِي دُعَاؤُكَ. قَالَ: « وَاللَّهِ إِنَّهَا لَدَعْوَتِي لِأُمَّتِي فِي كُلِّ صَـلَاةٍ ».
وبعــــدُ،، فإنّ خطبتَنَا بعونِ اللهِ وتوفيقهِ ورعايتهِ تدورُ حولَ هذينِ العنصـــرينِ:
أولًا: الحجُّ فريضةٌ محكمةٌ يحرمُ التهاونُ فيها للقادرِ عليها.
ثانيًا: المظاهرُ الإيمانيةُ لفريضةِ الحجِّ.
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الحج رحلة إيمانية :
الحجُّ فريضةٌ محكمةٌ يحرمُ التهاونُ فيها للقادرِ عليها.
الحجُّ ركنٌ مِن أركانِ الإسلامِ، امتنَّ اللهُ بهِ على هذه الأمةِ، ليعلِي قدرهَا، ويعظمَ شأنَهَا، ويباهِي بها الأممَ على مرِّ العصورِ والأزمانِ، وهو وزيارةُ مكانٍ مخصوصٍ في زمانٍ مخصوصٍ بفعلٍ مخصوصٍ، بشرائطَ مخصوصةٍ، وهو خامسُ أركانِ الإسلامِ، يجبُ في العمرِ مرةً واحدةً، وقد حجَّ رسولُ اللهِ ﷺ مرةً واحدةً، وكانت فرضيتُهُ في السنةِ السادسةِ مِن الهجرةِ، وقِيلَ: في السنةِ التاسعةِ، ودليلُ وجوبهِ، قولُ اللهِ تعالى: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ * فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ﴾. [ آل عمــران،96، 97 ].
إنّ أولَ بيتٍ وُضعَ للناسِ، أي: وُضعَ للعبادةِ وجُعلَ مُتعبدًا لهم، والواضعُ هو اللهُ تعالى. وقِيلَ المرادُ: إنّه أولُ بيتٍ بالشرفِ لا بالزمانِ. مباركًا: كثيرُ الخيرِ والنفعِ لِمَن حجَّهُ واعتمرَهُ واعتكفَ دونَهُ وطافَ حولَهُ وهدىً للعالمين؛ لأنه قبلتهُم ومتعبدهُم، فيه آياتٌ بيناتٌ، كانحرافِ الطيورِ عن موازاةِ البيتِ على مدَى الأعصارِ، وأنَّ ضوارِي السباعِ تخالطُ الصيودَ في الحرمِ ولا تتعرضُ لها، وأنّ كلّ جبارٍ قصدَهُ بسوءٍ قهرَهُ اللهُ كأصحابِ الفيلِ. [تفسير البيضاوي].
ومِن السنةِ قولُ رسولِ اللهِ ﷺ: « بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا
رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ البَيْتِ ». [ سنن الترمذي وغيره ].
وعندَ مسلمٍ، مِنْ حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقَالَ: « أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا »، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: « لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ “، ثُمَّ قَالَ: « ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ ». والإجماعُ منعقدٌ على فرضيتِهِ، وأنَّه الركنُ الخامسُ مِن أركانِ الدينِ، والمتممُ لبنيانهِ، تتلاقَ فيه جميعُ البشرِ، ويسجدونَ شكرًا للهِ على أنَّ هذا الدينَ قد انتشرَ، اللغاتُ تختلفُ، لكن تتوحدُ في البيانِ، وتفصحُ باللسانِ، وتصدحُ في كلِّ مكانٍ لبّيكَ اللهُمّ لبّيكَ، يا لهَا مِن عزةٍ للمسلمِ الغيورِ، تتجلّى بهذه الفريضةِ كلُّ الأمورِ، وتتكشفُ بها الحقائقُ، ويُدرِكُ بهَا كلُّ ذي بصيرةٍ كمًّا هائلًا مِن الحقائقِ، أنّ هذا الدينُ غالبٌ، وأنّ قاصدَهُ هو الصائبُ، وكلَّ صادٍّ عنه حتمًا سعيهُ خائبٌ، فيا سعدَ مَن لحقَ بالركبِ، وتمسّكَ بحبلِ اللهِ المتين، و يا حسرةَ مَن تعجلَ الفانيةَ، وحادَ عن الطريقِ المبين.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الحج رحلة إيمانية :
المظاهرُ الإيمانيةُ لفــريضةِ الحجِّ.
مِن جمالِ الفرائضِ في الإسلامِ، والعباداتِ التي كلفَ اللهُ تعالى بها الأنامَ، تعمقُ قضيةِ الإيمانِ، والكفُّ عن الفواحشِ، وتهذيبُ الأخلاقِ، والحجُّ واحدةٌ مِن هذه العباداتِ التي تحضُّ على هذه الكمالياتِ، والحكمِ المباركاتِ، والبعدِ عن الزلاتِ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ ﴾.
نهَى الحقُّ سبحانَهُ وتعالى في هذه الآيةِ الكريمةِ عن كلِّ مظهرٍ سلبيٍّ عندَ أداءِ هذه الفريضةِ، فنهَى عن الرفثِ: وهو الجماعُ ومقدماتهُ الفعليةُ والقوليةُ. والفسوق وهو: جميعُ المعاصي. والجدال وهو: المماراةُ والمنازعةُ والمخاصمةُ، لكونها تثيرُ الشرَّ، وتوقعُ العداوةَ. ومقصودُ الحجِّ هو الذلُّ والانكسارُ للهِ، والتقربُ إليهِ بمَا أمكنَ مِن القرباتِ، والتنزهُ عن فعلِ السيئاتِ، حتى يكونَ الحجُّ مبرورًا، والمبرورُ ليس له جزاءٌ إلّا الجنة، وهذه المعاصي وإنْ كانت ممنوعةً في كلِّ مكانٍ وزمانٍ، فإنّه يتغلظُ المنعَ عنها في الحجِّ، وذلك لحرمةِ الزمانِ والمكانِ والحالِ التي يكونُ عليها المسلمُ.
ثُم أمرَ تعالى في قولهِ: ﴿ وَتَزَوَّدُوا ﴾ بالتزودِ لهذا السفرِ المباركِ، وذلك بالاستغناءِ فيه عن المخلوقين، والكفِّ عن أموالِهِم، فالزادُ الحقيقيُّ المستمرُّ نفعهُ لصاحبهِ، في دنياه، وأخراه، هو زادُ التقوى، فهو زادُ إلى دارِ القرارِ، والموصلُ لأكملِ لذةٍ، وأجلِّ نعيمٍ دائمٍ، ومَن تركَ هذا الزادَ، فهو المنقطعُ الممنوعُ مِن الوصولِ إلى دارِ المتقين. وهذا مدحٌ للتقوى. [ تفسير السعدي ].
ومِن المظاهرِ الإيمانيةِ لهذه الفريضةِ الجليلةِ أنَّ العبدَ مأمورٌ بأنْ يتحرّى الحلالَ في النفقةِ، ويحسنَ الكسبَ، ويتجنبَ الحرامَ، ويبتعدَ عن كلِّ مالٍ فيه شبهةٌ، وهذا إنْ كان العبدُ مأمورًا به في كلِّ وقتٍ إلّا أنّه جاء التأكيدُ عليه في هذه الفريضةِ، والتشديدُ والوعيدُ، والزمَ الأكيد لِمَن لوّثَ رحلتَهُ الميمونةَ بمالٍ حرامٍ، وسعيٍ غيرِ مبرورٍ، فعند الطبراني، من حديث أبي هريرة ــــ رضي الله تعالى عنه ــــ ، قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ حَاجًّا بِنَفَقَةٍ طَيِّبَةٍ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ، فَنَادَى: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، زَادُكَ حَلَالٌ، وَرَاحِلَتُكَ حَلَالٌ، وَحَجُّكُ مَبْرُورٌ غَيْرُ مَأْزُورٍ، وَإِذَا خَرَجَ بِالنَّفَقَةِ الْخَبِيثَةِ، فَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ، فَنَادَى: لَبَّيْكَ، نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: لَا لَبَّيْكَ وَلَا سَعْدَيْكَ، زَادُكَ حَرَامٌ وَنَفَقَتُكَ حَرَامٌ، وَحَجُّكَ غَيْرُ مَبْرُورٍ ».
فمتى حجبَ المرءُ نفسَهُ عن المحرماتِ، وحرصَ على فعلِ الواجباتِ، وجردَ نفقتَهُ مِن كلِّ الآفاتِ، وسريرتَهُ مِن الحقدِ والحسدِ والمشاحناتِ، جاءتهُ البشرياتُ مِن سيدِ المرسلين، بأنَّهُ عائدٌ مِن ذنوبهِ كيومِ مولدهِ، على حالهِ التي خرجَ بهَا مِن بطنِ أمهِ بإذنِ سيدهِ، خاليًا مِن الذنوبِ والأوزارِ، صحيفتُهُ نقيةٌ مِن كلِّ الأكدارِ، فيالَهَا مِن رحلةٍ إيمانيةٍ، جادَ بها خيرُ البريةِ، فاستبشرْ يا صاحبَ الحجِّ المبرورِ بهذه الهديةِ، ففي الصحينِ، قَالَ رســولُ اللهِ ﷺ: « مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ».
وفي الصحيحينِ أيضًا، قالَ رســولُ اللهِ ﷺ: « الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ ».
أي: مَن امتنعَ عن الرفثِ والفسوقِ أيامَ الحجِّ خاصةً أزالَ ذلك كلَّ فسوقٍ سبق، فرجعَ إلى الصفاءِ والطهارةِ والخلوصِ كيومِ ولدتهُ أمهُ، لا ذنبَ لهُ، وبقي حجُّهُ فاضلًا له، وباقيًا عليه؛ لأنّ مِمّا شرعَ اللهُ ـــ عزّ وجلّ ــــ أنّ الحسناتِ يذهبنَ السيئات.
وأنّه لا جزاءَ لهُ سوىَ الجنة، يعني: أنّه زادتْ قيمتُهُ، وكثرتْ مقدارُه، وغلا ثمنهُ، فلم يكنْ يقاومهُ شيءٌ مِن الدنيا، ولا نفيسَ مِن أعراضِهَا، فلذلك قال: « ليس له جزاءٌ إلّا الجنة »؛ لأنَّ الجنةَ هي دارُ النظرِ إلى اللهِ ــــ تعالى ــ، وهي مقرُّ الأمنِ مِن كلِّ مخوفٍ، والنيلُ لكلِّ مطلوبٍ، والوصولُ إلى كلِّ مشتهى، والاجتماعُ لكلِّ مشتاقٍ، إلى غيرِ ذلك. [ الإفصاح عن معاني الصحاح ].
تابع / خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الحج رحلة إيمانية :
ومِن مظاهرِ الإيمانِ في هذه الرحلةِ أنَّها رحلةُ أمانٍ، في شهورٍ يأمنُ فيها كلُّ شيءٍ على نفسهِ، إنسانٌ وحيوانٌ وطيرٌ وكافةُ المخلوقاتِ، فهي في الأشهرِ الحرمِ، التي قالَ اللهُ عنها: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾. [ التوبة، 36].
إنّ عدةَ شهورِ السنةِ اثنَا عشرَ شهرًا في كتابِ اللهِ، الذي كتبَ فيه كلَّ ما هو كائنٌ في قضائهِ الذي قضَى، هذه الشهورُ الاثنَا عشرَ منها أربعةُ أشهرٍ حرمٌ كانت الجاهليةُ تعظمهن، وتحرِّمهن، وتحرِّمُ القتالَ فيهن، حتى لو لقي الرجلُ منهم في هذه الأشهرِ قاتلَ أبيهِ لم يقتلْهُ لشدةِ تعظيمِهَا، وهن: رجبُ مُضر، وثلاثةٌ متوالياتٌ، ذو القعدةِ، وذو الحجةِ، والمحرمُ. وبذلك تظاهرتْ الأخبارُ عن رسولِ اللهِ ﷺ. [ تفسير الطبري].
ففي الصحيحين قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: « إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ».
قالَ قتادةُ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى صـــَفَايا مِنْ خَلْقِهِ، اصْطَفَى مِنَ الْمَــــــــــــــلَائِكَةِ رُسُــــــــلًا وَمِنَ النَّاسِ رُسُلًا وَاصْطَفَى مِنَ الْكَــــــلَامِ ذِكْرَه، وَاصْطَفَى مِنَ الْأَرْضِي الْمَسَاجِدَ، وَاصْطَفَى مِنَ الشهور رمضان والأشهر الحــــــــــرم، وَاصْطَفَى مِنَ الْأَيَّامِ يَــــــــــــــــــوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاصْطَفَى مِنَ اللَّيَالِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَعَظِّمــــــــــــــــــوا مَا عَظَّمَ اللَّهُ، فَإِنَّمَا تُعَظم الْأُمُــــــــــــــــــورُ بِمَا عَظَّمَهَا اللَّهُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْفَهْــــــــــــمِ وَأَهْلِ الْعَقْلِ.
فبانَ مِمّا مضَى أنّ اللهَ عزّ وجلّ عظّمَ هذه الرحلةَ الإيمانيةَ، وامتنَّ بها على الأمةِ المحمديةِ، فعظّمَ فيهَا الأجرَ، وعظّمَ فيهَا الزمانَ والمكانَ، وأمَّنَ كلَّ مخلوقاتهِ ليتفرغَ الناسُ فيهَا لعبادتهِ، وبيّنَ فيها أنّ الإسلامَ رسالةُ سلامٍ إلى الأنامِ، لكن جاءَ التحذيرُ مِن الاستخفافِ بالحرماتِ، وإنْ فُعلَتْ معها الطاعاتُ، فقد يذهبُ القبيحُ بالحسنِ، ويلقَى العبدُ مفلسًا، ويعودُ مِن رحلةِ الإيمانِ كما ذهبَ، فعملُهُ مردودٌ، وحجُّهُ مأزورٌ غيرُ مبرورٍ، فعَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ رسول الله : « لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا». قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ. قَالَ: « أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ». [ سنن ابن ماجه].
فاحترسْ لحجِّكَ، وأخلصْ نيتَكَ، واحفظْ نفسَكَ مِن الموبقات، واجعلْ زادَكَ التقوى، ومتاعَكَ مِن الحلالِ الخالصِ، ترجع بحجِّ مبرورٍ، وتجارةٍ لن تبور.. اللهم تقبلْ مِنّا صالحَ الأعمالِ، واجعلْ بلدَنَا مصرَ سخاءً رخاءً وسائرَ بلادِ المسلمين، ووفقْ ولاةَ أمرِهَا لِمَا فيه الصلاحُ والفلاحُ .. اللهم آمين!
بقلم/ مسعود عرابي .. عضو هيئة تدريس بجامعة الأزهر .. وخطيب مكافأة.
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف